هذا المقال سيكون عبارة عن بيان لمسألتين:
- الفتنة القيسية اليمانية ونفي ما يُظن من كلام مالك بشأنها
- عدم ثبوتية نقول الأبهري عن مالك
العصبية في الشام
زعم بعض الجهلاء أن مالك بن أنس في المدونة يربع بأبي تراب من قوله:
“سألت مالكا عن أهل العصبية الذين كانوا بالشام؟
قال مالك: أرى الإمام أن يدعوهم إلى الرجوع إلى مناصفة الحق بينهم، فإن رجعوا وإلا قوتلوا”
العصبية هنا ليست وصفا بل هي أحداث تاريخية معينة وصفت بأحداث العصبية في الشام لا علاقة لها بمعاوية ولا بأبي تراب ولم يصف أحد ما قام به معاوية رضوان الله عليه بالعصبية ولا وصف المؤرخون أي أحداث بالعصبية في أيامهم إلا هذه الأحداث التي عاصر مالك شطرا واسعا منها:
وهذه الأدلة من كلام المؤرخين عن “العصبية بين أهل الشام” وباللفظ:
- قال الطبري: “فمن ذلك ما كان بالشام من العصبية فيها”1
- 2- قال الطبري: “وفي هذه السنة، هاجت العصبية بالشام بين النزارية واليمانية، ورأس النزارية يومئذ أبو الهيذام”2
وحتى تتبين أن هذه الأحداث بذاتها وعينها وصفت بالعصبية في الشام فقد ذكر ابن دريد أن أبا الهيذام كان من رجال الشام أيام العصبية. - يقول في الإشتقاق:”ومنهم: أبو الهيذام، وكان من رجال أهل الشام أيام العصبية”3
وقوله “أيام العصبية” يدل على أن أهل ذلك العصر عرفوا تلك الأحداث بهذا الإسم أي بأحداث العصبية. - وقال أبو حنيفة الدينوري: “وفي سنه اربع وسبعين ومائة وقعت العصبية بأرض الشام بين المضرية واليمانيه، فتحاربوا حتى قتل من الفريقين بشر كثير”4




الأحداث التي عرفت باسم العصبية في الشام استمرت أعواما طوالا، وكانت دائما ما تتجدد.
واضطر الرشيد العباسي لمقاتلة أهل العصبية أكثر من مرة، في تلك السنوات حتى قيل أنه لم يدع لهم فرسا ولا رمحا في آخر المطاف.
فأمر جعفر بن يحيى البرمكي فقاتل زواقيلهم والمتلصصة منهم.
ومن المعلوم أن مالك بن أنس توفى سنة 179 للهجرة وقد تجددت هذه الأحداث أيضا بعد وفاته.
فقال الطبري في سنة 180 للهجرة أن:
“هذه العصبية لما حدثت بالشام بين أهلها، وتفاقم أمرها، اغتم بذلك من أمرهم الرشيد، فعقد لجعفر بن يحيى على الشام، وقال له: إما أن تخرج أنت أو أخرج أنا، فقال له جعفر: بل أقيك بنفسي، فشخص في جلة القواد والكراع والسلاح فأتاهم فأصلح بينهم، وقتل زواقيلهم، والمتلصصة منهم، ولم يدع بها رمحا ولا فرسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وأطفأ تلك النائرة”
فهذه الأحداث هي التي تعرف بالعصبية بالشام، لا دخل لمعاوية ولا لعلي بها، ومالك لا يربع بعلي كما زعم بعض الجهلاء الأميين.
ومالك يقول: “الإمام أن يدعوهم إلى الرجوع إلى مناصفة الحق بينهم”
والمناصفة تعني الاقتسام وتقول العرب: اِقْتَسَمَا الغَنِيمَةَ مُنَاصَفَةً : أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَخَذَ نِصْفاً
أي أن هناك طرفين متقاتلين يدعوهم الإمام لمناصفة الحق بينهم لحل النزاع بينهما بحكمه.
ولو كان علي المقصود بالإمام لتوجب أن يكون هناك طرفان متقاتلان حتى يدعوهم علي لمناصفة الحق لكن عليا كان طرفا في النزاع فهل يدعو معاوية إلى مناصفة الحق مع جيشه؟ أو يدعو معاوية إلى مناصفة الحق مع نفسه فيكون خصما وحكما في نفس الوقت؟
فقول مالك لا ينطبق على حادثة قتال معاوية وعلي والأصح أن العصبية التي تكلم عنها مالك أحداث معينة وقعت أرض الشام بين القبائل.
نفي نسبة كتاب الأبهري
(يجدر الإشارة أن التنبيه مأخوذ من حساب: عباسي سابق في إكس)
يردد أهل السنة عن مالك بن أنس رواية رواها الفقيه المالكي “العراقي” محمد بن عبد الله الأبهري (المتوفى سنة: 375هـ) عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يقول :-
(توفي رسول الله ﷺ فقام أبو بكر سنتين، وعمر عشر سنين، وعثمان اثنتي عشرة سنة، “ثم سار علي مسيره، فخرجت عليه الخوارج”).
وجائت الدعوى كالآتي : هذا الإمام مالك يربّع بعلي بن أبي طالب، حيث تم ذكره مع الخلفاء الراشدين، وأن مالك يقر أن الذين خرجوا على علي “خوارج” إذن علي خليفة في عقيدة مالك.
وعند الرجوع إلى المصدر نفسه، واسمه : (شرح المختصر الكبير لابن عبد الحكم)، لنرى سند الأبهري “العراقي” عن ابن وهب عن مالك.
وجدنا أن الأبهري ساق هذا الأثر في: “كتاب الجامع”، فرجعنا إلى بداية الكتاب لأن المؤلف يذكر سنده عن مالك في بداية الكتاب ويكتفي بذلك ولا يكرر ذِكْر السند.
وبعد النظر والتحقيق، فإن سند الأبهري إلى مالك ساقط لا يصح.
ففي سنده :- (أبو عمرو المقدام بن داود الرعيني مولاهم المصري). –
- قال النسائي: ليس بثقة ووصفه بالكذب.
- والدارقطني : أورد رواياته في “غرائب مالك” وضعَّفه.
- وقال ابن أبي حاتم وأبي يونس: تكلموا فيه.
- وقال أبو عمر الكندي: لم يكن بالمحمود في روايته.
- والذهبي: اتهمه بالوضع.




وهذا سند الكتاب الأصلي: “المختصر الفقهي الأكبر لابن عبد الحكم” الذي شرحه الأبهري العراقي:- في بداية الكتاب: (ما جاء في الحج) يذكر سند الكتاب إلى ابن عبد الحكم -تلميذ مالك- ومدار سند الكتاب على هذا الراوي الكذاب:
المقدام ابن داود بن عيسى بن تليد الرعيني مولاهم المصري.



الخلاصة
الأثر عن مالك أنه يربّع بعلي بن أبي طالب في الخلافة ساقط لا يصح سنداً، ولا العصبية المقصودة عصبية الأمويين.

