ما حال من أثر عنه تكفير الحجاج عند التمحيص؟

محمد عثمان

ما حصل للحجاج رضي الله عنه من تشويه أكبر دليل على أن المنتصر يكتب التاريخ وأن الناس أتباع كل ناعق فأحد أعدائه مثلا سعيد بن جبير كان يطعن في القرآن صراحة ويدعي أن فيه اخطاء ووهما وأشياء سقطت وينسب ذلك لابن عباس وقد أصبح سعيد بفعل الرأي السني السائد تابعي جليل ونقلت اراءه في تفسير الطبري على أنها اجتهادات مع أن أي أحد سيتجرأ على مثل هذه الدعوة اليوم سيوصف بالزندقة والكفر بسهولة ولكن الناس تحب المارقين وأصحاب الفوضى والعنتريات الفاضية.

لم يختص سعيد بن جبير بالطعن على القرآن فقد كان لأهل الكوفة مصحف ينسبونه لأبن مسعود غير المصحف الذي بين يدينا ويدعون أنه أصح من مصحف عثمان ولا يصح أنه لأبن مسعود وكان فيه من التحريف واللغط ما يتنزه أن يكون في كتاب الله و”كان أهل الكوفة يقرأون بما ينسبونه إلى ابن مسعود من قراءة، فكان الحجاج بن يوسف [يعاقب عليها]، ليحمل الناس على مصحف عثمان (التمهيد لابن عبد البر).

وكانت تلك القراءة تخالف مصحف عثمان، وإلا ما تميزت، ولا عرف أن قارئها يقرأ بغير مصحف عثمان، وبقي هذا التوجه في الكوفة، وصار ما ينسبونه إلى عبد الله بن مسعود عنوان معارضة لمصحف عثمان، حتى أن مالك بن أنس (١٧٩هـ) سئل عن «رجل يقرأ بقراءة ابن مسعود، قال: يخرج ويدعه ولا يأتم به»، قال ابن القاسم (١٩١هـ): «إذا قال يخرج، فأرى أن يعيد في الوقت وبعده».

بل إن فيمن تقيد بمصحف عثمان من الكوفيين، ونسب قراءته إلى ابن مسعود من قوبل بإنكار عليه، فهذا عبد الله بن إدريس الكوفي (١٩١هـ) جاء عنه أنه قال لحمزة بن حبيب (١٥٨هـ) قارئ الكوفة، «اتقِ الله! فإنك رجل تتأله، وهذه القراءة ليست قراءة عبد الله [ابن مسعود] ولا قراءة غيره، قال حمزة: إني أتحرج أن أقرأ بها في المحراب، قلت: لم؟ قال لأنها لم تكن قراءة القوم، قلت: فما تصنع بها إذا؟ قال: إن رجعت من سفري لأتركنها، ثم قال ابن إدريس: ما أستجيز أن أقول لمن يقرأ لحمزة: إنه صاحب سنة”1

ومن الناس الذين هربوا من الحجاج وهم يقرأون هذه القراءة ابراهيم النخعي “قال أبو العرب قرأت في بعض الكتب أن إبراهيم النخعي كان في الديوان وكان مكتبه بحلوان فضربه حوشب بن العوام وكان على شرطة الحجاج ضربه خمسين ومائة سوط”2

فعن إبراهيم النخعي أن ابن عباس سمع رجلًا يقول، الحرف الأول، فقال: ما الحرف الأول؟ قال إن عمر بعث بن مسعود إلى الكوفة معلمًا فأخذوا بقراءته فغيَّر عثمان القراءة فهم يدعون: قراءة بن مسعود الحرف الأول، فقال بن عباس: (إنه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل).

والنخعي هذا مروي عنه تكفير الحجاج مثلا حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كفى بمن شك في الحجاج لحاه الله.3 وعن النخعي «كفى به عمى الذي يعمى عليه أمر الحجاج».4

فيبدوا أن النخعي قد أغاضه منع الحجاج له من تحريف القران ونسبة تبديل الكتاب الى عثمان بن عفان.

وبالنسبة لسعيد بن جبير: من طريق ابن أبي خيثمة قال: نبأنا أبو ظفر، نبأنا جعفر بن سليمان، قال بسطام بن مسلم، عن قتادة، قال: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟ قال: أي والله! ما خرجت عليه حتى كفر.5

فما موقف سعيد من القران؟ جاء في تفسير الطبري:

  • عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: ” لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ” قال: وإنما ” تستأنسوا ” وهم من الكُتَّاب.
  • ومثلها: إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا.
  • ومثلها: إنما هي حتى تستأذنوا، ولكنها سقط من الكاتب.
  • عن جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس ( حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) قال: أخطأ الكاتب، وكان ابن عباس يقرأ ” حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا ” وكان يقرؤها على قراءة أُبيّ بن كعب.

وقوله قراءة ابي بن كعب هو عين قراءة عثمان وانما يريد بذلك ان مصحف عثمان معيوب.

وجاء عن الاعمش مثله: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش أنه كان يقرؤها: ” حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا ” قال سفيان: وبلغني أن ابن عباس كان يقرؤها: ” حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا ” وقال: إنها خطأ من الكاتب.6

والاعمش ايضا ممن يطعن في الحجاج:
وقال أبو الفضل الزهري كما في «جزء حديثه» : 274 – حدثنا أحمد، نا واصل بن عبد الأعلى، نا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، قال: اختلفوا في الحجاج، فقالوا: بمن ترضون؟ فقال بعضهم: بمجاهد، فأتوه فسألوا، فقال: تسألوني عن الشيخ الكافر؟!

وليس يصح هذا عن مجاهد لان الأعمش شيعي معروف بالتدليس، حتى عن مجاهد، قال يعقوب بن شيبة في مسنده (نقله ابن حجر): “ليس يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة قلت لعلي بن المديني كم سمع الأعمش من مجاهد قال لا يثبت منها إلا ما قال سمعت”7 ولم يقل سمعت هنا.

والشواهد على هذا كثيرة وقد كان ابو محمد رحمه الله يتتبع هؤلاء فقتل بعضهم على هذا وضرب بعضهم وكلهم بلا شك زادوا على القران ما ليس فيه مرات ومرات يتهمونه كما اسلفنا بالسقط والوهم والخطأ ونسبوا هذه الزندقات للصحابة لكي يضعوها في أعناق غيرهم ولم يقف علماء السنة لمثل هذا أو ينكروه بل سكتوا في الغالب ولعل من تكلم درس أثره في تلك الفترة وانما حاز هذا الشرف في ما نعرف الحجاج بن يوسف رضي الله عنه.

وكما قال جرير:

مِن سَدِّ مُطَّلَعَ النِفاقِ عَلَيهِمِ
أَم مَن يَصولُ كَصَولَةِ الحَجّاجِ؟!
  1. (باسمِ السلف: نظرة نقدية في طرح عبد الله الخليفي، يوسف سمرين، مكتبة مسك للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ٢٠٢٤، ص٤٨- ٥٠) ↩︎
  2. كتاب المحن، أبو العرب التميمي، تحقيق عمر سليمان العقيلي، ص٤١٠ ↩︎
  3. المصنف، ابن ابي شيبة، 0995 ↩︎
  4. السنة، الخلال، (4/59) ↩︎
  5. ابن عساكر، تاريخه، (12/183) ↩︎
  6. جامع البيان في تفسير اي القران، الطبري ↩︎
  7. [تهذيب التهذيب، ٤/ ٢٢٥] ↩︎

مقالات مشابهة